الاثنين، 25 أغسطس 2008

يومين غراب ( مسرحية كوميدية ساخرة )

المشهد الاول : وائل فى الدقى بعد كورس الكورى وائل داخل نفسه : أنا شامم ريحة عيش جميلة أه العيش بتاع الفرن و احنا العيش عندنا وحش طيب ما أجيب منه اروح اشترى شنطة و أجيب منه و توفير أهو عشرين رغيف بجنيه واحد و الطابور شكله منظم و مفيهوش ضرب خلاص .فى طابور العيش بعد شراء الشنطة بربع جنيه من بتاع اللب :وائل : هو الراجل ليه شغال خبز الله ينور و الطابور مبيمشيش فتاة خارجة من ناحية الباب الايمن للفرن شايلة قفص كبير مليان عيش : السكة لو سمحت وسع ذهبت الفتاة ثم عادت مرة اخرى و اخذت قفص اخر : و السكة لو سمحت رجل عامل من نفس ناحية الباب يخرج بقفص ملىء بالعيش كبير : سسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسسو بينما الاقفاص عمالة تترص فوق بعضها فى الجانب الايمن وائل يسئل الواقفين فى الطابور : هو العيش ده بتاع ايه ؟رد عليه الراجل اللى واقف قدامه : ده بتاع المجاملات و الشغل .فرد وائل : مجاملات ايه رد راجل اخر : المجاملات للناس اللى همة و شغل المطاعم الخ فرد واحد : يعنى احنا نطلتع فى الطابور و العيش بيتسرق و انتو ساكتين ليه فرد عدد من الاشخاص : يعنى هنعمل ايه يعنىفرد وائل : دحنا نعملهم محضر فرد رجل بغتاتة : روح يا عم اعمل محضر وائل : و ماله اعمل محضر فين اقرب قسم نظرة استغراب من الجميع ( ده مجنون ده ولا ايه )رد شخص على اول الشارع قسم الدقى .
المشهد الثانى فى قسم الدقى :
توجه وائل لأول الشارع و وصل لقسم الدقى ووقف امام بوابة مغلقة يحرصها عسكرى شرطة .وائل : سلام عليكم الدخول منين لو سمحت .العسكرى : و عليكم السلام و عايز تدخل ليه .وائل : عايز اقدم بلاغ .العسكرى الحشرى : ليه عن ايه .وائل : فى مخبز الدقى التابع للشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى عشان بيهرب عيش العسكرى : يا عم ليه كده خليها على الله .وائل : لا ماهو كده هنفضل ناخد على قفانا .العسكرى : براحتك لف الدخول مش من هنا البوابة الناحية التانية .و يستعجب وائل يعنى انت لما البوابة من الناحية التانية و الدخول مش من عندك عمال ترغى ليه .يتوجه وائل للبوابة الثانية و يستوقفة امين شرطة .أمين الشرطة : عايز أيه يبنى ؟وائل : عايز ادخل اقدم بلاغ الامين : طيب ادخل يمين فى شمال فى شمال و امشى للأخر هتلاقى سلم انزل تحت و قدم البلاغ يدخل وائل كما وصف الامين له و يصل للمكان ليرى ظابط ملازم و اتنين امناء و حجز فاضى مفيهوش مجرمين .الظابط الملازم : خير فى ايه وائل : عايز اقدم بلاغ فى الشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى عشان فيه مخبز اللى فى الدقى بيهرب عيش فعايز حد يروح يضبطهم متلبسين ينظر الظابط و الامين لبعضهم البعض بأستعجاب شديد و سخرية .يقول الظابط : يا ساتر يعنى وصلت بيهم السفاقة انهم يهربوا العيش و يبيعوه ياااااااااااهينفجر الامين بالضحك و لكن يحاول كتم ضحكته تصل لوائل الرسالة من عنوانها و يقول : ايوة هو ده اللى بيحصل حضرتكم هتعملوا ايه .فيقول امين : انت لازم تحدد مينفعش يبقى البلاغ عام فى شركة المخابز ككل لازم يبقى معاك اسم الفرن نفسه .وائل اسم الفرن : مخبز و منفذ بيع الدقى .الامين : اه بس ده مش كفاية لازم تجيب اسم صاحب الفرن .وائل : يعنى انا هروح لصاحب الفرن اقوله هات اسمك لو سمحت عشان اقدم فيك بلاغ و يتدخل الظابط مرة اخرى .الظابط : بص يبنى عشان اجبلك الخلاصة الموضوع ده اللى ليهم سلطة فيه شرطة التموين مش احنا هما اللى ممكن يمسكوهم متلبسين و معاهم الضبطية القضائية انما انا هعملك محضر و يترمى فى النيابة يتركن و خلاص و مفيش حد مننا يقدر يروح يعمل حاجة فى الفرن .وائل بأستعجاب : يعنى ده اللى حضرتكم تقدروا تعملوه طيب انا اروح لشرطة التموين ازاى ؟فرد الامين بأبتسامة تعسيف : الادارة العامة لشرطة التموين فى شارع القصر العينى وائل : ماشى و ماله هروح شكرا سلام عليكم الظابط : و عليكم السلام .يخرج وائل من القسم و مليان غضب بداخله من السلبية و الروتين المتخلف و فى نفس الوقت بداخله صراع هل يكمل و يخلص ضميره ولا يروح الوقفة الاحتجاجية للتضامن مع شباب 6 ابريل المعتقلين ولا يروح للبيت عشان يستقبل والدته عند عودتها من المستشفى .و يقرر الوائل بعد تفكير ان يكمل فى موضوع العيش و يركب ميكروباص و يتجه نحو القصر العينى ليصل الى الادارة العامة لشرطة و مباحث التموين فى مبنى وزارة التضامن الاجتماعى .عند الباب .حارس فى كشك : ايوة يا استاذ .وائل : انا عايز الادارة العامة لشرطة و مباحث التموين الحارس : ليه .وائل : عندى بلاغ عايز اقدمه الحارس : طيب ادخل الادارة فى الوش على ايدك اليمين .يدخل وائل للأدارة علما بأن هذه الادارة هى الادارة الرئيسية لشرطة التمويل المسئولة عن جمهورية مصر كلها .يستوقف وائل ظابط و عسكرى عند مدخل الادارة العامة لشرطة و مباحث التموين .الظابط : عايز ايه يبنى ؟وائل : عايز اقدم بلاغ الظابط : فى مين ؟ وائل : فى الشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى الخ الخ الخ الخ الظابط بنظرة استعجاب و سخرية : لا تعالى بكره من الساعة 9 صباحا للساعة 5 مسائا عشان مفيش ظباط دلوقت .وائل بأستعجاب شديد : يعنى الادارة العامة مفيهاش ظباط شكرررررا جدا جدا و يخرج وائل من المبنى و هو مليىء بالغضب الممذوج بالسخرية من الحالة التى يرثى لها البلاد فقضية مثل تلك القضية التى تعد اهم قضايا مصر أزمة الخبز المدعم و الذى يتكبد الشعب العناء فى دفع هذا الدعم و فى النهاية تكون الرقابة بهذا الشكل السلبى يقول فى عقله :كل رغيف اتسرق من ساعة ما قررت ابلغ مسئول عن سرقته من اصغر مسئول انا بلغته لاكبر مسئول سواء وزير الداخلية او وزير التضامن الاجتماعى و ر رئيس الوزراء و المسئول الاكبر رئيس الجمهورية اضافة طبعا لمفتش التموين الموجود بالمخبز و كمان الخبازين و صاحب المخبز و البياعين و اللى بيشتروا منهم العيش المتهرب و الشركة العامة لمخابز القاهرة الكبرى و المواطنين اللى شافوا ده بيحصل و سكتوا كل دول مسئولين لو مش امام القانون او امام الضمير يبقى امام الله .يتجه وائل لمنزله فى حالة من الغضب و مسائا يدخل على الفيس بوك و يكمل مناظراته مع مؤيدين الحزب الوطنى و محبى الحكومة و يسرد القصة .و بالطبع كالعادة الهجوم على وائل و اتهامة بأختلاق القصص و الكذب من مؤيدين الحزب الوطنى و فى وسط الهجوم يظهر طارق من اعند الشخصيات اللى بتتناقش مع وائل فى الجروب و دايما يهدده بأنه واصل و هيجيبه و وائل بياخد تهديداته دى بأستهزاء و يقوله دائما جملته الشهيرة سأسأ كوسة .و فجأة :طارق :وائل دى نمرة الدكتور على مصلحى وزير التضامن الاجتماعى و اسم مديرين مكتبه فلان و فلان ممكن تروحلهم او تكلمه و تحكيله الموضوع اذا كنت فعلا صادق و عندك ضمير عايز تحل المشكلة .وائل : انا بالفعل رحت الوزارة و مش هرحلها تانى انا كنت بفكر اطلع الحكاية على الاعلام وش بس مفيش مشكلة اكلمه ايه يعنى .ياخد وائل النمرة و يسجلها و يتأمل بأن ده فخ عامله طارق عشان يعرف اذا كنت كذاب ولا لا و اكيد دى مش نمرة الوزير .المهم ثانى يوم يوم الاربعاء وائل نزل راح الكورس كالعادة و اشترى كارت شحن شحن الموبايل ثم بعد ما رجع اكتوبر و الهدوء القاتل قال و هخسر ايه لما اجرب اتصل ايه يعنىحتى لو حوار ، و يطلع وائل النمرة اللى كانت غريبة جدا و يتصل :شخص فى صوته وقار يرد : الو وائل : الو سلام عليكم الشخص الكبير : و عليكم السلام مين معايا ؟وائل : حضرتك الدكتور على مصلحى الوزير : نعم انا الوزير على مصلحى مين معايا ؟وائل : انا مواطن مصرى و عندى بلاغ ابلغه لحضرتك الوزير : اتفضل وائل : انا رحت مخبز و فرن ............... الخ الخ الخ الى اخر الحكاية بالتفصيل الوزير : قالولك فى الادارة العامة مفيش ظباط ؟وائل : ايوة حضرتك الوزير : انت اسمك ايه ؟وائل : وائل فهمى ابراهيم زكى الوزير : و الفرن عنوانه ايه بالظبط ؟ وائل : شارع التحرير جمب المترو على طول الوزير : طيب يا وائل شكراوائل : شكرا على تعاونك فى استقبال البلاغ سلام عليكم الوزير : سلام عليكم .و انتهت المكالمة و استعجب وائل جدا و هو يعلم بالطبع ان اسمه اتاخد يتعمل عليه تحريات لمعرفة جاب نمرة التليفون الشخصى للوزير منين لكنه شعر بسعادة انه استطاع ان يوصل الامر للوزير لكن فى نفس الوقت الموضوع بالنسبة له منتهاش لا ده ابتدا لان وائل هيروح الفرن تانى و يشوف بعد ما بلغ الوزير ايه اللى حصل و يتمنى ان المشكلة تكون اتحلت .

و بالفعل يمر اسبوع و لم يمر وائل على منطقة الدقى . و بعد كده يجيى يوم الكورس و ينزل الدقى و بعد ما خلص تانى راح قالى يعدى على الفرن يشوف ايه اللى حصل فيه . لقى وائل باب حديد جديد على يمين شباك التوزيع بتاع الفرن لونه اخضر . ( ايه علاقة ده بالموضوع مش عارف ) و لقى وائل راجل منفجر من الغضب و عمال يزعق و يقول انا هطلبلكم الشرطة . فذكره الرجل بنفسه من اسبوع فات . فتدخل وائل و قال فيه ايه فقالوا مش بيدوا الناس عيش و برضوا بيترصص جوه على اليمين . نظر وائل لقى نفس العاملين بنفس مفتش التموين و كل شىء زى ما هو متغيرش غير الباب الجديد بس .
فوائل قال للرجل متكلمش الشرطة مش هتعملك حاجة .
فالراجل قال : ازاى انا هكلمهم مش هسكت .
وائل قاله : ده مش اختصاصهم ده اختصاص مباحث التموين و اجيبلك من الاخر انا كلمت الوزير نفسه الاسبوع اللى فات و محصلش حاجة .
تدخل راجل تانى : يا عم صلى على النبى شرطة ايه بيقولك كلم الوزير و متغيرش حاجة انتوا فاكرين اننا فى عصر عمر بن الخطاب .
راجل تالت : يا عم حد يراضى الناس اللى فى الفرن دى و يخلونا نمشى و خلاص .
وائل ياخد بعضه و يمشى محبط و مش عارف يعمل ايه ؟ الحل فى ايه و ازاى الحل الوحيد اننا نفرض سياستنا بنفسنا طالما الحكومة مش عارفة تفرض السياسة اللازمة و كان قد سمع ان فيه مخابز فى شبرا بيجلهم الناس بالسلاح الابيض و النبابيت من الصبح و يراقبوهم عشان ميسراقوش . ماهى بقت غابة مفيش حل غير ده .


بعد ثلاثة اسابيع الفرن اغلق و تم توقيفه عن العمل و السبب مجهول .

السبت، 14 يونيو 2008

الإضراب في مصر شرعية تاريخية

مرت مصر في الفترة الأخيرة بعدد من الأضرابات سواء عامة جماعية أو فردية في قطاعات خاصة و بصرف النظر عن مدى المشاركة و النجاح لتلك الاضرابات لكن تضاربت الآراء حول الشرعية القانونية للإضراب و أيضا تضاربت الآراء حول الشرعية الدينية للإضراب . فتساءلت هل يوجد للإضراب شرعية تاريخية هل المصري كان له تجربة اضطرابية في الماضي و ما هو مدى نجاحها و تأثيرها على التاريخ المصري .

يرى البعض في فكرة الإضراب انه فكرة مصدرة غريبة عن المجتمع المصري و لعل هذا كان سببا لاعتراض البعض من أصحاب الاتجاهات المحافظة أو السلفية على الإضراب ، و لكن التأمل في التاريخ المصري يؤكد بطلان تلك الحجة فالمصري يعد أول من عرف الإضراب في التاريخ العالمي و قد سجلت الوثائق الفرعونية القديمة أكثر من مرة قيام المصريين باضرابات و اشهرها إضراب العمال في الأسرة العشرين في عهد رمسيس الثالث عام 1165 عندما تأخرت أجور العمال و قلت الحبوب فامتنع العمال عن العمل و قاموا بأقدم إضراب مسجل تاريخيا و جلسوا في معبد حور محب في مدينة هابو إلى أن نقل كبار الكهنة تلك المشكلة للحكام في طيبة و تم دفع المرتبات للمصريين ، و كان الإضراب وسيلة فعالة يحصل العامل من خلالها على أجره .

هذا بالنسبة للمصري قديما أول من عرف الإضراب في تاريخ البشرية فماذا عن المصري في العصر الحديث هل كرر تلك التجربة .

فالحقيقة أن التجربة تكررت في العديد من المراحل الحساسة في تاريخ مصر فقد سجل الجبرتي ثورة القاهرة الأولى الشهيرة التي نشبت في وجه الفرنسيين ، و فيها أغلق التجار حوانيتهم و توقفت عملية البيع و الشراء احتجاجا على المغارم و الإتاوات التي تم فرضها من قبل الفرنسيين ، و كانت تلك الثورة فاتحة جديدة لإحياء الوعي المصري ، و مكافحة المصريين للفرنسي سواء عن طريق الثورات و الاضرابات مثل في ثورة القاهرة الأولى و ثورة القاهرة الثانية أو غيرهم كان لهم الأثر الكبير على خروج الاحتلال الفرنسي من البلاد . و بعد خروج الفرنسيين سجلت مصر ثورة كبرى في عهد خور شيد باشا في مايو 1805م عندما فرض المغارم الصارخة على المصريين فقام التجار المصريين بغلق حوانيتهم و إعلانهم الإضراب عن البيع و الشراء و حاول خور شيد تهدئة الموقف و أرسل العسكر ليأمر التجار بعودة العمل و التجارة و لكنهم رفضوا و تزعم المصريين فى تلك الثورة السيد عمر مكرم الشهير و ساندهم محمد على باشا و كون المصريين وثيقة قانونية وطنية و رفضوا العودة للعمل و إنهاء الثورة و الإضراب إلا أن يوافق خور شيد على العمل بتلك الوثيقة و لكن خور شيد باشا رفض الانصياع للمطالب الشعبية فاشتدت الثورة و التي انتهت بتحقيق رغبة المصريين و عزل خور شيد و تعيين محمد على باشا واليا و الذي وافق على العمل بالوثيقة القومية المصرية . و تعد تلك الفترة من أهم الفترات التي توضح أن المصريين لديهم القدرة على تحديد مصيرهم و لا ننسى أن من كان يتزعم تلك الثورة هو السيد عمر مكرم نقيب الأشراف و يسانده عدد من كبار المشايخ و رجال الدين في مصر .

و في فترة أخرى من فترات التاريخ المصري في يوم 9 سبتمبر عام 1881 عندما توجه عرابي في ثورة شعبية عسكرية رائعة إلى الخديوي في قصر عابدين لتقديم العريضة الشعبية و انضم أليه الفلاحين من كافة الأقاليم و التجار و العسكريين الذين جميعا اضربوا عن العمل و ساندوا عرابي في المسيرة الشعبية لقصر الخديوي . و كان من أهم من ساندوا الثورة هم رجال الدين من الأزهر الشريف رغم الضغوط لتسييس الفتاوى لتجريم زعماء الثورة من الخديوي و البلاد الأجنبية و بالفعل بعد تلك الثورة بدأت طموحات و مطالب الشعب تتحقق و لكنها توقفت على يد التدخل السياسي و الديني العثماني مع التدخل الأجنبي الذى انتهى بوقوع البلاد فريسة في فك الاحتلال الانجليزى .

و بعد سنين قليلة من الاحتلال بدأ الوعي المصري في العودة من جديد و من أهم الاضرابات التي سجلت إضراب عمال مصانع السجائر في عام 1899 م نتيجة للحالة السيئة لنظام العمل و طبيعة العلاقة بين العامل و صاحب العمل و قام العمال بمظاهرات أمام مباني الحكومة و اصطدموا مع البوليس و استطاعوا في النهاية أن يحملوا أصحاب العمل على رفع الأجور و تحديد ساعات العمل .

و مع ازدياد الوعي القومي بعد إنشاء الحزب الوطني عام 1907 و دور مصطفى كامل البارز لإحياء الوعي الوطني و الوقوف أمام المحتل البريطاني ثم خلفه محمد فريد الذى اخذ في بث الوعي بين العمال و تكوين رأى عام بينهم عن طريق تأسيس النقابات مثل نقابة عمال الصنائع اليدوية في بولاق عام 1909 و غيرها من النقابات و اخذ الوعي النقابي يشتد في صفوف العمال و التجأوا للإضراب لتحقيق أهدافهم و لكن بعد قيام الحرب العالمية الأولى و فرض الأحكام العرفية على مصر عام 1914 تمخض لنا أمران الأول زيادة الطبقة العاملة نتيجة للنشاط الصناعي خلال الحرب و لكن أيضا انتكست الحركة النقابية نتيجة لفرض الأحكام العرفية .

و بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى استمرت الأحكام العرفية و شعر المصريون بالاستعباد فلهذا ضموا أصواتهم لجماعة الوفد على رأسهم سعد باشا زغلول لإخراج المصريين من تلك الحالة و ازداد الوعي الوطني و اشتد حتى حادثة اعتقال زعماء الوفد في 8مارس عام 1919 فبدأ السخط بين نفوس الشعب و بدأ التعبير عن هذا السخط بإضراب الطلبة عن تلقى الدروس يوم 9 مارس ثم جاء يوم 10 مارس حتى كان الإضراب عاما و سار الجميع في مظاهرة في القاهرة و استمرت حتى 16 مارس رغم المقاومة الإنجليزية العسكرية و في 17 مارس قامت المظاهرة الكبرى و لم يصبح الإضراب و التظاهر قاصرا على القاهرة فقط بل امتد إلى أقاليم مصر البحرية و القبلية و بذلك تكون المظاهرات و الاضرابات قد عمت البلاد فيما سار يعرف بثورة 1919 و نجحت الثورة في الإفراج عن سعد زغلول و زملائه و السماح لهم بالسفر إلى مؤتمر الصلح في باريس .

و تلك أمثلة بسيطة من تاريخ مصر العظيم نتوقف عندها لنرى أن الإضراب شارك المصري في أهم المراحل الفاصلة في تاريخه و كان قرين ملازم للوعي الوطني .

و بهذا فمن يواجه فكرة الإضراب و يعارض المضربين فليعلم انه لا يعارض مجموعة من الشباب أو مجموعة من العمال بل هو يعارض كل مصري شارك بإضراب على مر التاريخ المصري ، فهو يعارض رموز الأمة التاريخية فمن يريد أن يمنع الإضراب فليلغى كل مرحلة من مراحل تاريخ مصر ارتبطت بالإضراب و ليمحو أسماء الزعماء و القادة المصريين ممن نعتبرهم قدوة للوعي المصري بداية بعمر مكرم إلى سعد زغلول و غيره فان كان لديه الشجاعة و الجرأة فليعلن خطأ هؤلاء جميعا .

و ليعلم كل مصري عامل كاهل أو شاب واعي أو مثقف أو غيره شارك في إضراب لمصلحة الأمة و مطالبة بحقوق الشعب و لمصلحة الشعب انه لا يقف وحده لكن هناك أربعة ألاف عام من تاريخ مصر ينظرون إليه فالإضراب في مصر حق شرعي تاريخي .

الأحد، 18 مايو 2008

حافظين مش فاهمين

استطاع المؤرخ بن خلدون من خلال تحليل الظواهر التاريخية للأمم ان يصل إلى ما يسمى بعلم العمران و قسمه إلى العمران البدوي و العمران الحضري و العمران البشرى و الذي هو يعنين في تلك الرسالة حيث حلل بن خلدون من خلال التاريخ الاجتماع الانسانى و ما ينتج عنه من ظواهر و استطاع أن يصل إلى شبه قواعد من خلال هذا التحليل فعلى سبيل المثال تحليله لاستقرار البلدان ، بقوله أن البشر يحتاجون لسلطات تنظم لهم أمور حياتهم و تحل نزاعهم و من هنا ظهر الملك و الملك يحتاج لجند و يحتاج للمال و المال ياتى من الرعية و لكي ياتى المال من الرعية يجب أن يتحقق الاستقرار للرعية في العمل و الكسب و لن يتحقق هذا إلا عن طريق العدل فبهذا فالعدل يؤدى إلى استقرار الأمة و الظلم يؤدى إلى التدهور . و بالتالي يجب على الملك أن يكون عادل و لكي يكون عادل يجب أن يكون قد نشىء على العدل و من هنا أدرك بن خلدون أهمية ما يسمى في العصر الحالي بالتنشئة الاجتماعية . و ما ذكرته من علم العمران البشرى لابن خلدون هو ما يعرف حاليا بعلم الاجتماع الحديث و بهذا يتضح لنا أن بن خلدون من خلال تحليله التاريخي كان له الفضل في ظهور علم الاجتماع . فان كان بن خلدون عالم التاريخ أدرك نظرية التنشئة الاجتماعية منذ أكثر من 600 عام إذن فمن المفترض أن يكون العلماء في الوقت الحالي قد أيقنوا تلك النظرية بل و أنتجوا نظريات أخرى من خلال التأمل في الظواهر التاريخية و كلما مر الزمان زادت الظواهر و زاد التأمل و الإنتاج . و هذا بالفعل حدث فى المجتمعات الغربية المتقدمة و علم العمران البشرى الذي بدأه بن خلدون أصبح الآن علم الاجتماع الحديث و له علمائه المستقلين . أما عن علماء التاريخ في مصر فمن المفترض أن يكونوا الأكثر معرفة لتلك النظريات من خلال دراستهم للتاريخ و لكن من خلال احتكاكي بعدد من أساتذة التاريخ في مصر في كلية السياحة و الفنادق نستطيع أن نستنبط أن معظم أساتذة التاريخ حاليا لا يستطيعون أن يفهموا ما فعله بن خلدون من 600 عام فهم يحفظون التاريخ و لا يفهمونه. فالتاريخ بالنسبة لهم أرقام و أسماء و شجرة عائلة ملكية فليس لديهم القدرة على تحليل الأحداث التاريخية و معرفة دوافعها و نتائجها و عكسها على الواقع المعاصر . أو استنباط قيم من خلال التاريخ أو نظريات و العمل بها حتى على المستوى الشخصي في التعامل مع الآخرين . فالتاريخ لهم هو حفظ الأحداث و الأسماء و الأرقام و عالم التاريخ هو شخص لديه القدرة على الحفظ و تدريس الطلبة في المدارس أو الكليات هي بالنسبة لهم مجرد مهنة لكسب العيش و على الطلبة ( الرعية ) الصمت و الاستماع والشحن ثم التفريغ في الامتحانات و من من الطلبة لديه القدرة الأكبر على الحفظ قد يكون في المستقبل مدرس للتاريخ . و لعل ذلك من الأسباب الرئيسية في ترسيخ فكرة أن علم التاريخ مجرد مادة ثقيلة لا فائدة لها نحفظها و ننساها عند الطلبة . كما أن الأسلوب الاستبدادي في العلاقة بين الطالب و الأستاذ تنم عن جهل أساتذة التاريخ بالتاريخ أو حتى بما أدركه العلماء السابقين لهم مثل بن خلدون في عملية التنشئة الاجتماعية على سبيل المثال . فلينظروا في التاريخ و يروا كم من أمم أهلكت و تخلفت نتيجة للاستبداد و ليعكسوا هذا على النطاق الأضيق في تعاملهم مع الطلبة فتلك الطريقة الاستبدادية تؤدى إلى تخلف العملية التعليمية و بالتالي فساد عملية التنشئة الاجتماعية و نشئة جيل متخلف امتدادا لتخلفهم. فيا للعجب فعلم التاريخ يتدهور عند العرب ما أدركه عالم من 600 عام لا يستطيع إدراكه العلماء الآن.

تسييس الدين لتحقيق أهداف سياسية على مر التاريخ المصري

مفهوم تسييس الدين بنظرة ذاتية

* قبل أن ابدأ في الانخراط في موضوع تسييس الدين على مراحل التاريخ المصري المختلفة أود أن أوضح نظرتي الذاتية لمصطلح تسييس الدين فالبعض يراه ربط السياسة بالدين أو علاقة الدين بالسياسة و لعل برزت هذه الفكرة نتيجة للصراع الدائر في العالم حاليا حول ماهية العلاقة بين السياسة و الأديان . و لكن رؤيتي مختلفة قليلا فما أراه بمصطلح تسييس الدين هو على الصعيد العام تحويل ما هو اجتهادي إلى شرعي تقديسي و جعل الرأي البشرى رأى مقدس لتحقيق مصالح شخصية لا دينية أما على الصعيد الخاص بالسياسة و السلطة و هو ما سأتناوله في هذا المبحث هو استخدام الأشخاص للدين و المعتقدات للوصول لأغراض سلطوية سياسية ليست ذو نية دينية . و بما إن مصر هي أقدم دول العالم تاريخا و أكثرها استيعابا للأفكار و الحضارات المختلفة فسنجد أن التاريخ المصري ذخير بمواقف تسييس الدين للوصول للسلطة و الحكم سواء من قبل أشخاص أو جماعات على مر التاريخ مع اختلاف العقائد و الأديان و الحضارات . و نظرا لضيق المساحة المتاحة في المبحث فسأكتفى بذكر مثال أو اثنين من كل عصر من عصور التاريخ المصري لإبراز الفكرة و توضيحها .

العصر الفرعوني

منذ أن بدأ المصري القديم في الاستقرار في الوادي و التأمل في الموجودات من حوله , خرج بنتائج هذا التأمل و هي عقيدة المصري القديم و حضارته . و من هنا نستنبط أن حضارة المصري ارتبطت بصفة مباشرة بعقيدته لأنهم وليدان نفس التأمل لنفس الشخص و من هنا أيضا نستنتج صفة وجدت في المصري القديم منذ بداية حضارته و استمرت معه و هي الارتباط القوى بعقيدته . و بهذا فكل الأطر و النظم المنظمة لحضارته و منها نظام الحكم السياسي كان يجب أن تكون متوافقة و مرتبطة مع العقيدة المصرية القديمة . و بهذا لم يكن ملك مصر على مر التاريخ المصري القديم مجرد حاكم أو مالك للأرض و لكنه كان رمز ديني أحيانا يعتبر اله كما في الدولة القديمة أو يعتبر شخص مكلف من قبل الإله أو ابن للإله . و بهذا كان يجد الحاكم قابلية للحكم من قبل الشعب بسهولة و بهذا سنجد ارتباط أي صراع سياسي على مر التاريخ المصري الفرعوني مقرونة بفكرة تسييس الدين لان أي صراع سياسي من قبل أطراف مختلفة سيهدف في النهاية للوصول للأكثر قابلية للحكم من قبل الشعب و بما إن قابلية الحاكم مرتبطة بالدين عند المصري القديم فبهذا بالتبعية ستلجأ الأطراف المتصارعة على الحكم إلى تسييس الدين للحصول على قابلية الشعب . و أحيانا كان يواجه الحاكم المصري بعض المعوقات التي تأثر على قابليته للحكم و من هذه المعوقات الأصل الملكي مثل في حالة الملك تحتمس الرابع الذي لم يكن من اصل ملكي خالص و بهذا استعان بكهنة رع لتأليف قصته المشهورة المذكورة على لوحة الحلم المتواجدة في جبانة الجيزة بين قدمي تمثال أبى الهول و التي بمقتضاها يوضح انه مكلف من قبل الإله رعحوراختى بحكم مصر و بهذه القصة استطاع اعتلاء عرش مصر و الحد من سلطة كهنة العقيدة المنافسة عقيدة آمون و من العراقيل الأخرى الجنس مثلما في حالة الملكة حتشبسوت التي كانت تريد الاستقلال بحكم مصر و هي امرأة فاستعانت بكهنة آمون لتأليف قصة الولادة الإلهية المذكورة على جدران معبدها في الدير البحري و التي بمقتضاها استطاعت أن تثبت إنها ابنة الإله و هي الأحق لحكم البلاد و بالفعل استطاعت و استقلت بالحكم , و بهذا كان يلجا دائما الحكام إلى الكهنة لكي يؤلفوا لهم القصص الدينية التي تعطيهم القابلية للحكم بل و أن في بعض الأحيان استغل الكهنة مركزهم الديني و استطاعوا الوصول للحكم عن طريق تسييس الدين مثل الملك أوسر كاف في الأسرة الخامسة و من جانب أخر قامت بعض المذاهب الدينية التي حققت ثورة دينية عقائدية لتحقيق أهداف سياسية مثل في حالة الملك اخناتون و فكرة عقيدة أتون الجديدة التي تلغى كل العقائد الأخرى بأطرها و كهنتها و تظهر بفكرة الإله الواحد و الكاهن الواحد الذي هو السبيل للوصول لذلك الإله و هو في نفس الوقت الملك الحاكم و بهذا يكون من السهل الاستقلال بالسلطة و الحد من نفوذ أي سلطات دينية أخرى غير سلطة الملك الحاكم الكاهن . و هذا الاستخدام للعقائد في الحضارة المصرية القديمة كوقود للأهداف و الصراعات السياسية أدى إلى تفكك المجتمع ¸العقائد و المذاهب بداخله مما يساعد على أنفكاك البلاد و الاضمحلال و فتح المجال للقوى الاستعمارية من الخارج لاحتلال البلاد مثلما حدث في فترة الاضمحلال الثانية و في العصر المتأخر , و قد يكون هذا الاستخدام للدين سبب من أسباب ضعف العقيدة المصرية القديمة و بالتالي تأخر الحضارة المصرية بل و زوالها .

العصر اليوناني

فتح الاسكندر مصر في خريف عام 332 , و ما كاد أن يصل إلى منف حتى سارع إلى تقديم القرابين للالهه المصرية الوطنية ؛ و تتويج نفسه في معبد فتاح على نهج الفراعنة القدماء ؛ و السؤال هنا هل كان الاسكندر حقيقة يؤمن بالعقيدة و الآلهة المصرية القديمة ؟ فالإجابة ستكون لا لان من الصعب أن يكون هذا الشاب ذو العقلية الفذة تلميذ الحكيم أرسطو أن يؤمن بالعقيدة المصرية كاملة بحكمتها و لكنه بالتأكيد في الفكر يتبع المدرسة الارسطية و في العقيدة يوناني مقدوني مرتبط بالثقافة اليونانية . إنما ما هو قريب للواقع انه أراد أن يحصل على قابلية المصريين لحزبهم إليه و السيطرة على مصر إذن فاختار كالعادة تسييس الدين لتحقيق ذلك و كان الوضع مؤهل لذلك بعد عصر من الاضطهاد الديني عاشه المصريون من قبل الفرس . إذن فبتتويجه بطريقة شرعية على نهج المصريين القدماء قد ضمن إخلاص و ولاء المصريين له . و لعل ما يؤكد تمسك الاسكندر بالحضارة الإغريقية انه يوم خرج من بلاده قاصدا فتح الشرق قد أعلن انه رافع لواء الحضارة الإغريقية و لهذا بعد تتويجه في منف أقام حفلا إغريقيا رياضيا موسيقيا خالصا . و من هنا تتضح لنا سياسة الإغريق من بداية الاسكندر و حتى نهاية العصر البطلمى و هي أيضا تسييس الدين لبسط السيطرة على شعب مصر و حكم مصر وهذا يتجلى لنا بشدة في العصر البطلمى بعد أن استقل بطليموس الأول بمصر أعلن نفسه ملك مؤله على مصر و أعطى لنفسه حق ملكية أراضى البلاد و اعتبره حق ديني ؛ و تم إنشاء في مصر فقط ثلاث ولايات إغريقية يعاملوا معاملة الولاية الإغريقية من ثقافة و حقوق للمواطنين و هم الإسكندرية و بطولوميس و نقراطيس أما بقية الاراضى المصرية و التي كان يسكنها المواطنين المصريين الأصليين ذو الثقافة المصرية و العقيدة المصرية فأراضيهم كانت تعد ملك للملك الإله و هم عبيد هذا الملك في خدمته . و تدل لنا الوثائق التاريخية الهيروغليفية و الديموتيقية أن الملك بطليموس الأول حمل بعض ألقاب ملوك الفراعنة التقليدية و أيضا الملك بطليموس الرابع الذي يعد الملك الذي اتخذ صفة الفراعنة كاملة و هذا ليضمن ولاء المصريين التام لأنه في عهدة قرر الاعتماد عليهم في الجيش و بهذا حاول أن يتقرب أليهم عن طريق الدين لكي يضمن ولائهم . و لكن البطالمة من داخلهم كانوا متمسكين بعقيدتهم الإغريقية و آلهتهم الإغريقية و هذا التمسك كان يظهر لنا في الولايات التي تعامل معاملة الولاية الإغريقية في مصر . و أدرك البطالمة تأثير مكانة الكهنة المصريين على عامة الشعب فاستمالوهم عن طريق العامل المادي لاستغلالهم لنشر الهدوء و السكينة و لكنهم لم يدركوا النزاع القديم بين كهنة منف و كهنة آمون فأحيانا كان ينقلب الأمر و نجد أن في توتر علاقات البطالمة مع كهنة آمون نجد على الجانب الأخر تحسن العلاقة مع كهنة منف و العكس صحيح . و من هنا بدا ظهور الضغائن و بداية الثورات الشعبية التي كانت بتأييد ديني من الكهنة حتى أهلكت هذه الثورات الحكومة المركزية البطلمية و كانت سبب رئيسي من أسباب ضعف دولة البطالمة و انهيارها .

ديانة سيرابيس : و هي محاولة فاشلة لتسييس الدين اقرب من محاولة الملك المصري القديم اخناتون حيث أن الملك بطليموس الأول لاحظ تعدد الفرق و الأجناس ذات الثقافات الدينية المختلفة مما قد يؤثر على وحدة مصر في مصر و الحفاظ على ثروة مصر التي كانت من وجهة نظرة مرتبطة بعمل المصريين و الإغريق سويا و بهذا حاول جمع الكهنة لتأليف ديانة جديدة تجمع بين العقيدتين المصرية و الإغريقية للتأليف بين قلوب الشعب و استقر الكهنة على أن يكون محور الديانة ثالوثا مكون من الإله سيرابيس الاغريقى و الالهه ايزيس المصرية و ابنهما هاربوكراتس الذي يعتبره البعض شكل من أشكال الإله حورس كما أنهم حاولوا الدمج بين العديد من الآلهة المصرية و الآلهة الإغريقية . و رغم أن هذه الديانة انتشرت ليس في مصر فقط بل في البحر المتوسط كافة لكنها لم تحقق غرضها السياسي المرجو منها حيث أن المصريين لم ينسوا عقيدتهم القديمة و حتى من عبدوا ثالوث سيرابيس عبدوهم على شكل الآلهة المصرية القديمة و نفس الحال بالنسبة للإغريق و لم تنجح هذه الديانة في استقطاب قلوب المصريين و الإغريق لأنها كانت مفتعلة نتيجة لتسييس الدين لذلك مثلما لم تنجح قديما عبادة أتون أيضا لم تنجح عبادة سيرابيس في مصر .

العصر الروماني

اعتمد الرومان في حكمهم عموما على القوة و لم يتدخلوا بشكل كبير في العقائد المتواجدة في مصر سواء كانت مصرية قديمة أو إغريقية أو يهودية . و نستطيع أن نقسم العصر الروماني إلى فترتين الأولى هي ما قبل ظهور المسيحية و الثانية هي بعد ظهور المسيحية و اعتبراها ديانة رسمية للإمبراطورية الرومانية ؛ و في العصر الأول ففي بداية حكم الرومان في مصر كانوا ينظرون إلى معتقدات المصريين نظرة احتكار و لكن سرعان ما تغيرت هذه النظرة إزاء استمساك المصريين بمعتقداتهم و لذلك أدرك أباطرة الرومان حاجتهم لهذه المعتقدات لإصباغ مراكزهم بالصبغة الشرعية للحصول على قابلية الشعب لحكمهم و ضمان إخلاص الشعب لهم ؛ فبدأوا أن يحزوا حزو البطالمة في اتخاذ صفة الفراعنة . بل أن حاكم مصر الروماني أيضا كان يتشبه بالفراعنة فلا يركب النيل وقت الفيضان و يقدم القرابين عند بلوغ النيل أقصى ارتفاعه و غيرها من المظاهر . و أيضا اخذوا عن المصريين و الإغريق تاليه الملوك فقرنوا الأباطرة بالآلهة مثل أغسطس بزيوس و نيرون باجاثادايمون , أما في علاقة الرومان بالفرق الدينية المختلفة داخل مصر فقد اتبعوا سياسة فرق تسد لصرف هذه الفرق في النزاع فيما بينها بدلا من التوحد و الثورة على الرومان .

أما في الفترة الثانية بعد ظهور المسيحية و انتشارها حتى أصبحت الديانة الأولى منذ عهد ديوقلديانوس حتى دخول العرب فسنجد اختلاف قليل في مفهوم تسييس الدين فالأمر كان يميل أكثر إلى تدين السياسة حيث أن بعد انتشار المسيحية في مصر منذ بداية القرن الثالث الميلادي و استطاعتها بالتغلب على الأفكار و المدارس الوثنية بدا ظهور الخلافات بين المسيحيين أنفسهم و بدا ظهور بعد الفرق صاحبة الأفكار الجديدة مثل الاريوسية و التي واجهها الامبا اثناسيوس و أيضا النسطورية التي انتشرت في أوربا و الشام و التي واجهها الامبا كيرلس فلا سيما أن العديد من العامة تأثروا بتلك الأفكار و تلك الفرق المتناقضة و لا سيما الأباطرة و أصحاب المراكز السياسية فمنهم على سبيل المثال من تأثر بالفكر الاريوسى مثل قسطنطين و قسطنطيوس و يوليانوس و فالنس و أرادوا تفعيل هذا الفكر في قرارات سياسية تفرضه على العالم المسيحي و يرى البعض أن لولا وقفة اثناسيوس في مصر ضد هذا الفكر لكان من الممكن أن يتحول العالم المسيحي كله إلى الفكر الاريوسوى و نفس الأمر حدث مع الامبا كيرلس و مواجهته لهرطقة نسطور ؛ و لعل الخلاف الأبرز الذي استمر حتى الآن قد بدأ بخلاف بين كنيستي روما و الكنيسة المصرية عام 451 بعد ارتقاء الإمبراطور مرقيانوس العرش حين رفض الأنبا ديسقورس بطريرك الإسكندرية الموافقة على مسائل إيمانية أوردها لاون أسقف روما عن طبيعة المسيح و سرعان ما استخدم لاون نفوذ الإمبراطور و أقناعة بعزل ديسقورس بطريرك الإسكندرية عن منصبه و من هنا اشتد الخلاف و بدأت المذابح و الاضطهاد الذي عانى منه المصريين نتيجة هذا الاختلاف الفكري الديني بين اليعاقبة أو السريان و الأرثوذكس أتباع كنيسة الإسكندرية من جهة و الكاثوليك أتباع كنيسة روما من جهة أخرى و هذا الخلاف تحول لقرارات سياسية ظالمة على الشعب المصري مما أدى إلى انهيار مصر اجتماعيا و تفككها و ساعد على الفتح العربي للبلاد . و نستطيع أن نعتبر تلك الفترة فترة صراع فكرى عقائدي تحول إلى صراع سياسي و لا نستطيع أن نعتبر هذا الصراع نتيجة لتسييس الدين ؛ بل أن الخلاف الديني هو الذي اثر على الساسة و الحكام و تحكم بقراراتهم .

العصر الأسلامى

يعتبر بعض المؤرخين و المحللين أن الفتح العربي لمصر كان لمجرد رغبة في الاستيلاء على كنوز و ثروات البلاد و أن العرب المسلمين تستروا وراء عقيدتهم و سيسوها للوصول لتلك الأغراض المادية ؛ و لكننا لو تعمقنا في هذا الراى سنجد انه من الصعب أن يكون صحيحا حيث أن مصر فتحت في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب على يد عدد من الصحابة على رأسهم عمرو بن العاص و الزبير بن العوام ؛ و هؤلاء الصحابة على رأسهم الفاروق عمر اتسموا بالزهد و لم يكونوا أصحاب خزائن و ثروات سواء قبل الفتح أو بعده فمن أين ستأتي تلك النية المادية . و لكن الأرجح أن هذا الفتح كان نتيجة للصراع الاسلامى الروماني لرفض الرومان السماح للمسلمين بتبليغ رسالتهم بل و اضطهاد هذا الفكر الجديد و محاربته مما دعي المسلمين إلى صراع الروم لتبليغ رسالتهم الدينية و في هذا العهد كانت الفتوحات ذو نية دينية أو دفاعا عن المسلمين . و لكن نستطيع أن نرصد بداية فكرة تسييس الدين لدى المسلمين بعد عودة الصراع مرة أخرى العرقي الذي كان دائر في الجاهلية بين بنى أمية و بنى هاشم و بالتحديد ليس في بداية هذا الصراع بل بعد إنشاء الدولة الأموية و توريث الحكم ليزيد بن معاوية بن أبى سفيان و من هنا سارع الخلفاء الأمويين في استخراج الفتاوى من العلماء المسلمين لتأييد حكمهم و صلاحيتهم للحكم و من هنا بدأت فكرة تسييس الدين لكسب القابلية الشعبية للحكم دون اعتراض و لتطبيق شكل من أشكال الثيوقراطية مستنكرين مبدأ الشورى في الإسلام و لهذا فعلى اى حركة تريد أن تصل للحكم أن تطعن في دين أو نسب الفرقة الحاكمة مثلما حدث في الفكر الشيعي فإذا نظرنا لهذا الفكر في شقه السياسي سنجد انه متأثر بشكل كبير بتسييس الدين و الصراع العرقي الذي كان دائر فلذلك اعتبر الشيعة أن الخليفة يجب أن يكون من النسب العلوي و اعتبروا ذلك فرض كفاية و لهذا بدأ صراع الأنساب و اشتد من الجانب الأموي و العباسي و الشيعي , ثم حتى انقسم الشيعة أنفسهم بين الكاظمية و الإسماعيلية و هذا الانقسام في الأساس انقسام سياسي و عرقي و لكنه تحول إلى انقسام ديني مذهبي ؛ و لعل هذا التسييس كانت نتائجه وخيمة على الأمة الإسلامية من تفرق ديني أدى إلى تفرق المسلمين إلى فرق كثيرة و تصارعهم بعضهم البعض أدى إلى ضعف المسلمين و جعل بلادهم عرضة للاستعمار كما أن هذا التسييس أدى إلى فقدان الثقة في كثير من العلماء حيث أن من المفترض أن يكون العالم مستقل يخرج للناس ما ينصه الشرع و لا يتأثر بعرف أو سياسة و لكن هذا التسييس جعل الكثير من العلماء كالألعوبة في ايدى الخلفاء و قراراتهم السياسية و من كان يعارض هذا كان يواجه الكثير من المصاعب منها السجن و الحبس و التعذيب مثلما حدث مع الإمام الشافعي و الإمام بن حنبل و غيرهم ممن تمسكوا باستقلالية العالم و منهم أيضا القاضي احمد بن رقابة و غيرهم ممن تمسكوا بأراءهم و أفكارهم و عرضوها بحرية أمام الحكام دون اى حرج . و ولاة مصر و حكامها لا سيما تأثروا بهذه الطريقة في استعمال الدين للأغراض السياسية و من اشهر القصص المختصة بحكام مصر قصة احمد بن طولون في صراعه مع الخليفة الموفق عندما أراد الاستقلال بمصر و لجا بن طولون لاستخراج الفتاوى من العلماء بأبطال دعوى الموفق في السلطان و أعلن نفسه حاميا للخليفة المعتمد المغلوب على أمره و رفض الإذعان لأحمد بن طولون القاضي بكربن قتيبة و كان من اكبر فقهاء العصر في ذلك الوقت فسنجنه احمد بن طولون و في أواخر أيام حكمه ندم على ذلك و أفرج عن القاضي أبى بكر و طلب منه السماح و لكن القاضي رد عليه و قال ( شيخ فان عليل مدنف و الملتقى قريب و القاضي الله عز و جل ) و كان لهذه العبارة الأثر الشديد على نفس بن طولون و يقال انه أغشى عليه عند سماعها . و على وجه العموم برزت فكرة الخليفة المطاع بموجب الشرع الديني و أن الاعتراض عليه يعتبر خلاف مع الشرع و الدين و استمرت هذه الفكرة متواجدة في البلاد الإسلامية حتى ألان في بعض الفرق السلفية و البلاد صاحبة السلطة الملكية مثل المملكة العربية السعودية .

العصر الحديث و المعاصر

مثلما قلنا استمرت تلك الفكرة فكرة الخليفة الشرعي المطاع في البلاد الإسلامية و في مصر حتى زوال الدولة العثمانية . و في التاريخ المصري الحديث يتتضح لنا الفكرة و الرؤية أكثر و أكثر من خلال المواقف التي سنمر عليها و التي تعكس لنا الأفكار التي موجودة في مجتمعنا ألان . فمصر في العصر الحديث كانت تابعة للدولة العثمانية و بالتالي فهي تابعة للخليفة العثماني و لكن مصر عانت من الكثير من التغيرات الفكرية خاصة بعد الحملة الفرنسية و بدأت في طريقها للتقدم و الازدهار ثم إحباط هذا التقدم من خلال التدخل الاجنبى ثم الاستعمار و الذي لعب تسييس الدين دور كبير في وجوده . فعند قيام الثورة الشعبية العرابية في مصر حاول الخديوي بالاشتراك مع السلطان العثماني التأثير على الأزهر الشريف للوقوف ضد عرابي و حزبه باعتباره خروج عن الحاكم و عصيان و بالتالى خروج عن الدين و لكن في ذلك الوقت الأزهر على رأسه الإمام محمد عبده كان في حالة ازدهار فكرى و ينعم بالاستقلالية فكان رد قاطع و صريح بان علماء الأزهر علماء فقه و يفتون بما ياتى به الشرع و أنهم لم يجدوا أن عرابي و جماعته مخالفون للشرع لكي يعترضوا عليهم بل أنهم يريدون مصلحة الأمة و كان هذا الرد بمثابة مفاجأة للخديوي و الخليفة بل و أيضا مفاجأة فكرية حيث أن الإمام محمد عبده أنكر أن نظام الخلافة الإسلامية بشكله فرض كفاية و قال إن لا يوجد من الشرع ما يؤكد هذا بل أن اى نظام سياسي أيا كان شكله يضمن التقدم و الرخاء للمسلمين و لا يستنكر الشريعة الإسلامية هو فرض كفاية و ليس من الضروري أن يكون هذا النظام بشكل الخلافة و نلاحظ هنا مدى الاستقلالية التي كان يتمتع بها الأزهر في ذلك الوقت و لم يجد الخليفة و الخديوي إلا أن يلجأوا لشيخ الإسلام و الذي بالفعل أعلن عصيان عرابي و سرعان ما تدخلت انجلترا بحجة تأديب عرابي العاصي و حماية الأقليات و مساعدة السلطان العثماني و هذا الإعلان بالطبع كان له الأثر السلبي على المصريين حيث أدى إلى تضارب الآراء حول عرابي و انشقاق العديد من المصريين عنه بسبب تلك الفتوة و نرى أن تلك الفتوى ساعدت في وقوع مصر في ايدى استعمار دام أكثر من سبعين عاما . تحول حدث بعد إلغاء الخلافة العثمانية فبدأ بعض الملوك و الحكام التفكير في السعي لهذا المنصب و من ضمنهم الملك فؤاد و جماعة الأخوان الموحدين في الجزيرة العربية و غيرهم و حاول الملك فؤاد الحصول على تأييد بعض العلماء في مصر أصحاب الفكر السلفي مثل الشيخ رشيد رضا و غيره و سنجد الصراع الفكري حول ماهية الخلافة انتشر في الصحف و الجرائد بين تلامذة الإمام محمد عبده و أصحاب الفكر السلفي . ولكن لم يستطع الملك فؤاد أو اى حاكم عربي الوصول لتلك الأهداف و تحقيق فكرة الخلافة من جديد سواء في أطار عربي أو اسلامى و في ظل هذه الظروف نشأت في مصر جماعة بدأت كجماعة مدنية ذات طابع ديني ثم انطلقت لتعلن فكر سياسي و هو فكر الخلافة السياسي الشمولي و هذه الجماعة هي جماعة الأخوان المسلمين و على رأسهم الأستاذ حسن البنا ؛ و طبقت الجماعة بداخلها الشكل الشمولي الشبيه بفكرة الخلافة ؛ تعتمد على المرشد الإمام المطاع الذي بيده مقاليد الأمور و يحكم بشرع الله ؛ و تمسكوا بأنهم هم السبيل الوحيد لتطبيق شرع الله و منهجهم هو المنهج الاسلامى الصحيح أما ما دونه فهو ليس إسلام ؛ و بنيت الجماعة على تسييس صريح للدين مما جعل الكثير من العلماء الوقوف أمامها خاصة و أن مؤسس الجماعة لم يكن عالم دينيا . و لكن لم تنال هذه الجماعة في ذلك الوقت قاعدة شعبية كبيرة لان الشعب في ذلك الوقت كان أكثر تأييدا للوفد ذو الاتجاه الليبرالي لتحقيقه العديد من الإنجازات لمصر فلم تستطيع هذه الجماعة تحقيق أهدافها خاصة بعد اغتيال مرشدها و مؤسسها السيد حسن البنا ؛ ثم جاءت ثورة 1952 على يد جماعة من الضباط أطلقوا على اسمهم الضباط الأحرار و هؤلاء الضباط لم يكونوا في البداية أصحاب فكر أو تيار سياسي أو ينتمون لتنظيم حزبي أو جماعة سياسية و لكنهم كانوا مجموعة من الضباط عانوا من الهزيمة في حرب 1948 و شعروا بفساد الحاشية الحاكمة فأرادوا تغيير هذا الوضع و بالفعل كانت الثورة و نجحت هذه الثورة نجاح غير متوقع حتى أنها وصلت إلى إلغاء النظام الملكي و هنا كانت النقطة الفاصلة حيث أن هؤلاء الضباط لم يكونوا أصحاب رؤية سياسية متكاملة كما ذكرت و لم يمار سوا الحياة السياسية و بالتالى بعد إلغاء النظام الملكي تعين عليهم التفكير في إقامة شكل سياسي و ظل الوضع متوتر في مصر حتى تعيين الرئيس جمال عبد الناصر كرئيس لجمهورية مصر و إعلان دستور 1956 و من هنا أتضح لنا استراتيجية مصر الجديدة كجمهورية و هذا الزعيم جمال عبد لناصر كان رجل شديد الذكاء صاحب شخصية كاريزمية و في عقله حلم كبير للقومية العربية و لتحقيق هذا الحلم فكر في توحيد الأمة من خلال رأى واحد هو راية حتى إن كان هذا التوحيد عن طريق أن يمحى الآراء الأخرى فألغى البرلمان و الأحزاب و الجماعات السياسية مثل الأخوان و مصر الحرة و غيرها و امتلأت المعتقلات بالمعتقلين ؛ أما عن الدين فهو بحاجة أن يضمن عدم تعارض الفقهاء و العلماء على سياسته فربط المؤسسة الدينية المتمثلة في الأزهر بالسلطة التنفيذية أو الدولة لكي يسهل التحكم بها و فقدت استقلالية الأزهر و أيضا ألغى المحاكم الشرعية . و عبد الناصر كان مؤمنا بالفكر الاشتراكي و بالفعل طبق الاشتراكية في مصر و لا نستعجب أن نرى الكثير من الفتاوى في ذلك الوقت بان الاشتراكية هي النظام الاسلامى لأنها تضمن العدالة الاجتماعية و هذه الفتاوى بالطبع لتحقيق غرض عبد الناصر السياسي الاقتصادي و للأسف فالأزهر الشريف ظل مربوطا بالدولة حتى عصرنا الحالي مما يضعف استقلالية العلماء و في بعض الأحيان يؤدى إلى حالة من فقدان الثقة من قبل العامة بالأزهر مما يفتح المجال أمام التيارات الوافدة من خارج مصر للتأثير على الفكر الديني للمجتمع المصري . نستكمل بعد رحيل الرئيس عبد الناصر جاء الرئيس الراحل محمد أنور السادات و كان فكره مناقض للفكر الاشتراكي السابق و أراد الاتجاه إلى الرأسمالية و الانفتاح فواجه حملة عنيفة من اليساريين و الاشتراكيين فلجا إلى الجماعة القديمة جماعة الأخوان المسلمين فأفرج عنهم و سمح لهم بالعودة إلى الحياة العامة بهدف الوقوف أمام الاشتراكيين و القضاء على الفكر الاشتراكي عن طريق الفكر الديني الاخوانى و بالفعل نجح و وجدنا فتاوى بان الإسلام هو دين الرأس مالية و الملكية الخاصة و استغلت الحكومة الفكر الديني لتحقيق الأهداف السياسة و لكن سرعان ما جاءت نتائج هذا التسييس السلبية على الرئيس السادات نفسه حيث أن جماعة الأخوان لم تنسى أهدافها القديمة و استراتيجيتها السياسية و انتهى الأمر باغتيال الرئيس السادات . ثم جاء عصر رئيس الحالي السيد الرئيس محمد حسنى مبارك و اختفت جماعة الأخوان لفترة قصيرة بعد اغتيال السادات لكنها عادت للظهور مرة أخرى و ازدادت شعبيتها خاصة بعد التحول السياسي العالمي بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر و لم تستطع الحكومة التعامل معها مثلما كان في الماضي من سياسة اعتقال بسبب الضغوط الدولية لتطبيق الحرية و الديمقراطية داخل المجتمع . و بالفعل ما كان على الحكومة المصرية إلا إلى تطبيق شكل من الأشكال الديمقراطية داخل المجتمع و استطاعت جماعة الإخوان في الدخول في الحياة السياسية المصرية و ازدادت قاعدتها الشعبية فما كان على الحكومة المصرية إلا إلى اللجوء لمواجهة هذه الجماعة التي تسييس الدين بتسييس أخر للدين من خلال السماح بدخول التيارات ذات الطابع السلفي في مصر الوافدة من خارجها و التي تحرم العمل السياسي و الاعتراض على الحاكم مثلما كان في نظام الخلافة لمواجهة تيار الإسلام السياسي المتمثل في الإخوان المسلمين على وجه الخصوص و للاستفادة من منع الناس في ممارسة السياسة على وجه العموم بحيث يكون النظام السياسي المصري ديمقراطي في شكله ثيوقراطى في مضمونه و بالتالى أصبحت مصر مكان للصدام الفكري بين التيارات السلفية و الأزهر الحبيس و جماعة الإسلام السياسي و نستطيع أن نضيف الأفكار الغربية العلمانية . و هذا الصدام قد يؤدى إلى عواقب وخيمة على ترابط المجتمع المصري و على الدين و أيضا على الحياة السياسية فمثلما استعان السادات من قبل بالإخوان للقضاء على التيارات السياسية و أدى ذلك إلى اغتياله و تهديد امن مصر ؛ فالآن الحكومة المصرية استعانت بالتيارات السلفية لمواجهة ضغوط تطبيق الديمقراطية و تيار الأخوان المسلمين و هذا التسييس للدين أدى إلى حالة من الفوضى داخل المجتمع المصري نعيشها يوم بيوم ؛ و بالقياس التاريخي على مواقف التسييس التي ذكرتها على مر عصور التاريخ المصري نستطيع أن نستشف ما هو قادم لو استمرت هذه السياسة الفكرية في مصر .

الجمعة، 25 أبريل 2008

العقل والمجهول

خلق الله الانسان و ميزه بالعقل تلك الخاصية المتواجدة فى الانسان و التى تميزه عن باقى المخلوقات . و خلق الله الموجودات من حول الانسان و التى تعد بمثابة الشىء المجهول بالنسبة للانسان . و العقل البشرى يمتاز بالرغبة الدائمة فى البحث و المعرفة و تلك الرغبة يتم اشباعها عن طريق علاقة الانسان بالموجودات من حوله و استكشاف العقل البشرى لتلك الموجودات المجهولة بالنسبة له للتامل بها و جعلها معلومة . و تلك هى الفطرة العقلية الانسانية و هى البحث فى المجهول لجعله معلوم . و من ناحية اخرى فاذا نظرنا لتعريف العلم سنجده هو كل بحث فى المجهول و بالتالى من هنا نستنتج ان العقل البشرى وظيفته الفطرية هى البحث فى المجهول مكونا العلم . و اختلف الفلاسفة على مر العصور من الغاية من هذا البحث فارسطو راى ان هذا التامل فى المجهول او الموجودات الغرض منه ان يعرف الانسان ما يجرى حوله من متغيرات فى الطبيعة . اما بن رشد فيرى ان فكرة التامل هى فكرة فطرية فى العقل و يرى الغاية انها تتعدى الناحية العلمية المادية لتصل الى الناحية الروحانية حيث انه اعتبر هذا التامل واجب دينى حث الدين الاسلامى عليه و ذلك فى تفسيره لبعض الايات من القران الكريم مثل بسم الله الرحمان الرحيم : ( و يتفكرون فى خلق السماوات و الارض ) و الاية الكريمة : ((أولم ينظروا في ملكوت السموات والأرض وما خلق الله من شيء))؟ و غيرها من الايات و من خلالها عبر ان الغاية من البحث بجانب انها غاية مادية لتكوين العلم الذى ينفع الانسان على الارض فانها غاية دينية حيث يحصل الانسان على الثواب ليصل الى الجنة فى الاخرة . و فى العصر الحديث يرى ديكارت ان الغاية هى تحقيق رفاهية الانسان من خلال هذا العلم . و كل تلك الاراء تؤدى الى نتيجة واحدة و هى ان العقل لديه فطرة طبيعية للبحث فى المجهول . و لكن هل يتضمن هذا المجهول الغيبيات ؟ و هل يستطيع العقل البحث فى الغيبيات ؟ . فاذا نظرنا لعلاقة الغيبيات بالمجهول فسنجد اتصال بينهم حيث ان الموجودات لا بد ان يكون خالق لها و هو الله و لكن هذا التفسير يعتمد على المنطق و لا يمكن اثباته بالناحية العلمية او بالتجربة المادية . فقد يستطيع العقل ان يصل من خلال بحثه فى الموجودات الى فكرة وجود خالق لتلك الموجودات و لكنه لا يتطيع اثبات ذلك بالتجربة العلمية المادية و بالتالى فهو فقط يعتمد على المنطق و الظن و ليس العلم . و بهذا لا يستطيع ان يكشف عن طريق العلم طبيعة الغيبيات او البحث فيها . هذا لان الغيبيات هى ليست امور مادية محسوسه مثل الموجودات يخوض فيها الانسان بعقله و يفسرها و يحللها مستخدما التجارب و المناهج . و هنا ياتى دور رسالات الاديان التى توضح تلك الغيبيات و طبيعتها و لا نستطيع اخضاعها للمعايير العقلية العلمية لانها من الناحية الشكلية ليست محسوسه انما من الناحية الروحانية هى محسوسه بالايمان . و بذلك نرى ان الانسان لا يستطيع ان يبحث فى الغيبيات عن طريق العقل و العلم فاما ان يؤمن بتلك الغيبيات او لا يؤمن بها و حينها سيعتبرها مجرد اساطير . فالانسان عن طريق العقل و التجربة العلمية ان يصل على سبيل المثال الى مكونات جسم الحيوانات و تركيباتها الجينية . و لكنه لا يستطيع عن طريق العقل و التجربة العلمية ان يصل على سبيل المثال الى مكونات جسم الملائكة و تركيباتها الجينية لانها غيب و ليست مجهول . حتى بهذا نرى فى معجزات الانبياء و الرسل ما لا يصدقه عقل و يفسره علم . و ايضا فى العلاقات العلاقات المباشرة بتلك الغيبيات او العلاقات التعبدية لا نستطيع احكامها عن طريق العقل و العلم فانها مثلها مثل الغيبيات اما الايمان بها او عدم الايمان بها . و من هنا نستخلص ان العلم هو البحث فى المجهول و ليس البحث فى الغيبيات . و نصحح بعض المصطلحات الخاطئة مثل علم التنجيم او علم الابراج فلا يوجد ما يسمى بعلم التنجيم لانه لا يبحث فى المجهول بل يبحث فى الغيبيات و بهذا فلا توجد له اداه او منهج او تجربة و بالتالى ما يصل اليه يعتمد فيه على الظن اى خرافات و ليس علم . و فى الغرب يطلقون عليه اسم العلم الزائف لاحتوائه على جزء علمى و هو علم الفلك . و الجزء الاخر هو الغيبى و ليس العلمى . و على مر العصور خلط العديد بين الغيب و المجهول و حتى الان يخلط البعض بين الغيب و المجهول مما يشوش المفاهيم الدينية و المفاهيم العلمية . و نتيجة لهذا الخلط نرى ان العالم يصرف اكثر من 40 مليار دولار سنويا على التنجيم و الابراج .

الاثنين، 21 أبريل 2008

يا عزيز يا عزيز كبة تاخد الانجليز

هذه الجملة تعد من جمل التراث الشعبى العام المصرى التى ترددت و حفظها الناس الى عصرنا الحالى ؛ و تاريخ ظهورها و انتشارها فى بداية القرن العشرين عندما كانت تعانى مصر من الاحتلال الانجليزى و كان الشعب يرمى الانجليز بتلك الجملة الشعبية . ما جذب انتباهى فى تلك الجملة هو كلمة كبة بضم الكاف ؛ فكلمة كبة فى العصر الحالى تستخدم فى اللغة العامية المصرية لوصف الشىء الكئيب او الانسان الكئيب لكن هل كان المصريون يقصدوا بها هذا المعنى عند قولها لعسكر الانجليز ؟. فالاجابة لا حيث ان تلك الكلمة فى اللغة العربية فى الاصل كان العرب يقصدون بها مرض ياتى فى رقبة الانسان و كان منتشر فى المناطق الحارة و يعطى لرقبة الانسان شكل غريب او مخيف احيانا و لكن فى مصر و منذ حوالى القرن الثامن عشر بدا المصريون فى استخدام هذه الكلمة كبة للتعبير عن مرض الطاعون و ظل هذه الاستخدام شائعا حتى وقت الاحتلال الانجليزى اذن فبهذا نستشف ان المصريين كانوا يقصدون بتلك الجملة تمنى اصابة الانجليز ببلاء الطاعون الذى سيخلصهم منهم . و هذا المعنى يأخذنا الى جانب شديد الاهمية فى شخصية المصرى فعند مواجهته للصعاب فدائما ما يسعى الى التشبث بقوى خارجية قدرية للتخلص من تلك الصعاب فهو ينتظر الطاعون ليخلصه من عسكر الانجليز . و لعل هذا يفسر لنا فى العصر الحديث على الصعيد السياسى مدى اهتمام الشعب المصرى بالتغيرات السياسية الخارجية او الخارجة عن ارادته التى ليس له دور فيها على امل ان تلعب بتغيير لمصلحته فنرى على سبيل المثال دى اهتمام المصريين بالنتخابات الرئاسية الامريكية و انتظار الرئيس الامريكى الجديد على امل حدوث تغير فى السياسات العالمية يهدف لمصلحة المصرى . فهى نفس نظرية الكبة انتظار التغيير القدرى الذى لا يوجد للمصرى دور فى حدوثه . و لكن دعونا نتبع سويا ما حصل قديما و نقيس عليه فهل خرج الانجليز من مصر بسبب الكبة ام بسبب كفاح شعبى سياسى ديبلوماسى من الحزب الوطنى الى ثورة 19 الى دستور 23 ثم معاهدة 36 ثم الكفاح الشعبى فى منطقة قناة السويس وصولا لمعاهدة 1954 و الجلاء 1956 .
و بهذا فأن نظرية الكبة قديما قد فشلت . و نظرية الكبة ظهرت كثيرا فى التاريخ المصرى و لم تنجح بل ما نجح هو نقيضها بوجود العزيمة و الرغبة فى التغيير لدى المصرى لا انتظار التغيير من عوامل خارجية لا يد له فيها . و الان مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الامريكية تتكرر نظرية الكبة فهل ستنجح تلك المرة ...... أشك .

الجمعة، 18 أبريل 2008

رجعوا التلامذة

يا عم حمزه

للجد تاني

يا مصر إنتي اللي باقية وانتي

قطف الأماني


هذه الابيات الشعرية تعبر عن اختيارى لاسم المدونة و هو رجعوا التلامذة لان هذه المدونة تعرض رايى كشاب مصرى اعبر عن رايى بحرية كدليل ان الشباب المصرى لديه الفكر و القدرة على تكوين الاراء و المشاركة باراءه فى المجالات المختلفة و لا اعتبر رايى ممثل للشباب و لا اؤيد تلك السطحية فى ان الشباب ظاهرة واحدة او رايهم واحد فالشباب هم جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع و هم اشخاص مثل اى اشخاص لديهم افكار مختلفة و أراء متباينة لا نستطيع الحكم عليهم عامة او اعتبار رأى شخص أو فئة منهم بأنه رأى عام لذلك فعن طريق المدونات رجع التلامذة أى الشباب للتعبير عن أرائهم من جديد بعد تجاهل من قبل قنوات المجتمع الاعلامية المعتادة و هذه المدونة أعرض بها أرائى الشخصية و تأملاتى الذاتية و أطرحها للنقض من قبل الاخرين للاستفادة و الافادة