استطاع المؤرخ بن خلدون من خلال تحليل الظواهر التاريخية للأمم ان يصل إلى ما يسمى بعلم العمران و قسمه إلى العمران البدوي و العمران الحضري و العمران البشرى و الذي هو يعنين في تلك الرسالة حيث حلل بن خلدون من خلال التاريخ الاجتماع الانسانى و ما ينتج عنه من ظواهر و استطاع أن يصل إلى شبه قواعد من خلال هذا التحليل فعلى سبيل المثال تحليله لاستقرار البلدان ، بقوله أن البشر يحتاجون لسلطات تنظم لهم أمور حياتهم و تحل نزاعهم و من هنا ظهر الملك و الملك يحتاج لجند و يحتاج للمال و المال ياتى من الرعية و لكي ياتى المال من الرعية يجب أن يتحقق الاستقرار للرعية في العمل و الكسب و لن يتحقق هذا إلا عن طريق العدل فبهذا فالعدل يؤدى إلى استقرار الأمة و الظلم يؤدى إلى التدهور . و بالتالي يجب على الملك أن يكون عادل و لكي يكون عادل يجب أن يكون قد نشىء على العدل و من هنا أدرك بن خلدون أهمية ما يسمى في العصر الحالي بالتنشئة الاجتماعية . و ما ذكرته من علم العمران البشرى لابن خلدون هو ما يعرف حاليا بعلم الاجتماع الحديث و بهذا يتضح لنا أن بن خلدون من خلال تحليله التاريخي كان له الفضل في ظهور علم الاجتماع . فان كان بن خلدون عالم التاريخ أدرك نظرية التنشئة الاجتماعية منذ أكثر من 600 عام إذن فمن المفترض أن يكون العلماء في الوقت الحالي قد أيقنوا تلك النظرية بل و أنتجوا نظريات أخرى من خلال التأمل في الظواهر التاريخية و كلما مر الزمان زادت الظواهر و زاد التأمل و الإنتاج . و هذا بالفعل حدث فى المجتمعات الغربية المتقدمة و علم العمران البشرى الذي بدأه بن خلدون أصبح الآن علم الاجتماع الحديث و له علمائه المستقلين . أما عن علماء التاريخ في مصر فمن المفترض أن يكونوا الأكثر معرفة لتلك النظريات من خلال دراستهم للتاريخ و لكن من خلال احتكاكي بعدد من أساتذة التاريخ في مصر في كلية السياحة و الفنادق نستطيع أن نستنبط أن معظم أساتذة التاريخ حاليا لا يستطيعون أن يفهموا ما فعله بن خلدون من 600 عام فهم يحفظون التاريخ و لا يفهمونه. فالتاريخ بالنسبة لهم أرقام و أسماء و شجرة عائلة ملكية فليس لديهم القدرة على تحليل الأحداث التاريخية و معرفة دوافعها و نتائجها و عكسها على الواقع المعاصر . أو استنباط قيم من خلال التاريخ أو نظريات و العمل بها حتى على المستوى الشخصي في التعامل مع الآخرين . فالتاريخ لهم هو حفظ الأحداث و الأسماء و الأرقام و عالم التاريخ هو شخص لديه القدرة على الحفظ و تدريس الطلبة في المدارس أو الكليات هي بالنسبة لهم مجرد مهنة لكسب العيش و على الطلبة ( الرعية ) الصمت و الاستماع والشحن ثم التفريغ في الامتحانات و من من الطلبة لديه القدرة الأكبر على الحفظ قد يكون في المستقبل مدرس للتاريخ . و لعل ذلك من الأسباب الرئيسية في ترسيخ فكرة أن علم التاريخ مجرد مادة ثقيلة لا فائدة لها نحفظها و ننساها عند الطلبة . كما أن الأسلوب الاستبدادي في العلاقة بين الطالب و الأستاذ تنم عن جهل أساتذة التاريخ بالتاريخ أو حتى بما أدركه العلماء السابقين لهم مثل بن خلدون في عملية التنشئة الاجتماعية على سبيل المثال . فلينظروا في التاريخ و يروا كم من أمم أهلكت و تخلفت نتيجة للاستبداد و ليعكسوا هذا على النطاق الأضيق في تعاملهم مع الطلبة فتلك الطريقة الاستبدادية تؤدى إلى تخلف العملية التعليمية و بالتالي فساد عملية التنشئة الاجتماعية و نشئة جيل متخلف امتدادا لتخلفهم. فيا للعجب فعلم التاريخ يتدهور عند العرب ما أدركه عالم من 600 عام لا يستطيع إدراكه العلماء الآن.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق